خطاب القوات اللبنانية.. إلى أين يأخذكم يا د. جعجع؟/ ياسر حريري

كتب الإعلامي ياسر حريري : رسالة إلى د. سمير جعجع…
بهُدوء وسكينة، وبعيدًا عن أي موقف مُسبَق، وبمحاولة قدر الإمكان استخدام الكلمات الحيادية، أكتب هذه الرسالة، رغم أن إعلام حزب القوات اللبنانية، المباشر وغير المباشر، ونواب ووزراء القوات وشخصياتهم، لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا واتهموا فيها حزب الله والثنائي الشيعي بأفظع التهم، سواء في السياسة أو الوطنية أو الارتهان. ولا حاجة للتوضيح، فجميع اللبنانيين، بمختلف انتماءاتهم أو حتى من دون انتماءات، سمعوا ورأوا ما قالته قيادة القوات اللبنانية، على الأقل منذ بدء العدوان على لبنان حتى الأمس القريب.
اتهامات وحملات تستهدف الشيعة مرة، وحزب الله مرة أخرى، والثنائي الشيعي مرة ثالثة، ضمن ضخٍّ سياسي وإعلامي مكثّف. حتى إن بعض الإعلاميين، ومن بينهم أسماء شيعية تعمل مع القوات، ناشدوكم بقولهم: “ارحمونا، لأنكم بخطابكم تقدمون خدمة للثنائي بهذا الهجوم عليهم.”
د. سمير جعجع،
لقد أفرطتم في اتهام حزب الله والثنائي الشيعي خلال الحرب على لبنان، وذهبتم بعيدًا في تقديركم لهزيمتهم، حتى أنك خرجت بالصوت والصورة لتقول: “نعمل انتخابات رئاسية بلا بري”، ثم عدت لتقول: “بلا النواب الشيعة”، لكن طبعًا لم ينجح الأمر، ونعلم جميعًا لماذا.
بالطبع، قد أتعرض لانتقادات بسبب توجيه هذه الرسالة إليك بدلًا من مهاجمتك، لكنني أتحمل ذلك، فليس لدي مشكلة في مواجهة النقد. لكن ألا تلاحظ أن استمرار هجومك السياسي على حزب الله والرئيس بري، وعلى الثنائي معًا، إلى جانب تصريحات وزرائك ونوابك وشخصيات محسوبة عليك، قد تجاوز أسلوب الخطاب الوطني حتى مع الخصوم؟ قد تقول إن ذلك “تحليل” وليس رأيًا مباشرًا، لكن الاتهامات التي توجهونها ضد طائفة بأكملها أو ضد قوى داخلها، مع تحميلهم تهم الارتهان للوطنية والسيادة والمشاريع الخارجية، تخرج عن نطاق النقد السياسي إلى التحريض المباشر.
أن يخرج من عندكم مَن يشجّع على قتل أبناء وطنه، ويواصل اتهامهم بأسلوب رخيص، كيف تراه حضرتك؟ ولا تقل إنك لا تسمع تصريحات نوابك وإعلامك على الشاشات، فالأمر واضح للعيان.
أين المصلحة الوطنية في هذا الهجوم المتواصل؟
وكثيرًا ما يُوحي خطابكم بأنكم قادرون على إلغاء الثنائي الشيعي، مجتمِعَين أو كلٍّ على حدة، وكأن هذا أمر ممكن. لكن دعني أسألك: أين مصلحة القوات اللبنانية في هذا النهج؟ وكيف يمكن أن يفهمه الطرف الآخر، الذي لا يزال يتعرض للعدوان الإسرائيلي، ويرى يوميًا التدمير والاغتيال والقتل؟
لو كنت مكان هذه البيئة وهذا المجتمع، بغض النظر عن دعمكم أو رفضكم لحرب غزة، كيف تفسر استمرار هذا الهجوم الإعلامي والسياسي العنيف، حتى بعد وقف إطلاق النار؟
في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل غاراتها، وتقتل الأطفال والنساء، ماذا يعني هذا التصعيد ضد الثنائي وجمهوره؟
لا أريد الحديث عن السلاح وغيره، فالجميع يؤكد أن الدولة وحدها تحتكر السلاح، وهي المسؤولة عن أمن شعبها. لكن القضية هنا ليست في القضايا الخلافية، بل في الخطاب الذي خرج عن الأعراف والتقاليد واللياقات. ومع ذلك، نجدكم تجلسون مع نواب حزب الله والثنائي في مجلس النواب، وتلتقون بهم في مجلس الوزراء، ثم تعودون لشن الحملات عليهم!
ثق دكتور جعجع،
أن هذا السقف العالي من الخطاب لا يقدّم ولا يؤخّر، بل على العكس، فهو يعزّز مكانتهم أكثر. والدليل أن إعلامكم، بكل جهده، حاول التقليل من حجم تشييع السيد حسن نصرالله، ليكون حدثًا عاديًا، ولكنكم رأيتم النتيجة: بحر من الحشود، ثم جاء تدخل الطيران الحربي الإسرائيلي ليزيد التشييع توهجًا.
أيضًا دكتور جعجع،
حاولت منع انتخاب العماد جوزاف عون، وصرّحت علنًا بطلب التأجيل، لكن لم ينجح الأمر، وجاء بعد جلسة تلاها اتفاق مع حزب الله وحركة أمل.
فور تسمية الرئيس نواف سلام لتشكيل الحكومة، كنت من أبرز الرافضين لمنح وزارة المالية للثنائي، لكنك وجدت نفسك ممثَّلًا في الحكومة إلى جانبهم، ووزارة المال بقيت لهم.
في البيان الوزاري، أردتم إسقاط حق اللبنانيين في الدفاع عن أنفسهم بكل الوسائل المشروعة، لكن الثنائي الشيعي أصرّ على تضمينه، وهو حقٌّ مثبت في خطاب القسم والقرار 1701.
في التعيينات الأمنية، سعى الثنائي لتسمية من يريد، وحصل على ما أراد، بداية في الأمن العام، ثم في نيابة مديرية أمن الدولة، وحتى في الأسماء التي طرحها الرئيس نبيه بري.
ما أريد قوله بهذه المصارحة الهادئة:
إن الأميركيين وبعض حلفائكم العرب، ومعهم عواصم أخرى، يدركون حقائق الأمور في التوازنات اللبنانية، وحتى فيما يتعلق بإسرائيل. وربما سمعت تصريح السفير الفرنسي في لبنان منذ يومين: “لبنان ليس غزة”، في معرض رده على احتمال إقدام نتنياهو على إشعال الحرب مجددًا.
ثق أن لبنان ومقاومته مسألة مختلفة، وما حصل نتيجة العدوان الإسرائيلي لا يعني أن إسرائيل انتصرت كما تصوّرها أنت. حتى بعد استشهاد السيد حسن نصرالله وقادة المقاومة والتدمير الذي تعرضت له المقاومة، لا تعتقد أن ذلك غيّر التوازنات في لبنان.
نحن جميعًا، كجمهور وبيئة، نعتقد أن هذا المصير كان طبيعيًا للسيد حسن نصرالله، ولم يكن متوقعًا أن يرحل إلا شهيدًا. ورغم الحزن، فإن من يبقى سيكمل المسيرة، ولن يقبلوا بمواصلة العدوان على لبنان.
اليوم، من المفترض أن تتحمل الدولة مسؤولياتها، بعد إعلان حزب الله التزامه بالقرار وتحميل السلطة والحكومة مسؤولية حماية الناس. ونحن ننتظر.
أعتذر عن الإطالة، لكن ألا تعتقد كرئيس لحزب القوات اللبنانية، أنه بعد كل هذا الهجوم على حزب الله والثنائي، قد أديت “قسطك للعلى”؟ وإن قررت المواصلة، فهذا حقك، وحق حزبك، لكن بلياقة، بعيدًا عن أسلوب يتماهى مع الخطاب الإسرائيلي.
أنا لا أتهم، لكن إذا راجعت تصريحات المسؤولين في الكيان الصهيوني وإعلامييه ومحلليه، ستجد تشابهًا كبيرًا بين خطابهم وخطابكم. مرة أخرى، لا أتهم، بل أطرح تساؤلًا: لماذا الإصرار على هذا الأسلوب، طالما أن المعركة السياسية التي تخوضها خاسرة، ولم تنعكس مواقفك على أي استحقاق؟
دكتور جعجع، إن كنت حكيمًا،
فالحكمة تقتضي احتساب خط الرجعة في الحسابات الإقليمية والدولية. فكيف ببلد مثل لبنان، الذي يجاوره العدو الإسرائيلي من جهة، ومن جهة الشرق جاءت “هيئة تحرير الشام” تحت عنوان “دولة بكرافات”؟
ثق أنهم لا يكفّرون الشيعة والعلويين والسنة الذين لا يبايعونهم فقط، بل يكفّرون أكثر من ذلك بكثير…