نزع السلاح… ليبدأ الاجتياح القادم من نهر الليطاني!

كاتب وباحث سياسي وأستاذ جامعي
لا يزال “جنوب الليطاني” الهدف الرئيسي للعدو الإسرائيلي، منذ مؤتمر الصلح في فرساي عام 1919، مرورًا باجتياح حيرام عام 1949، واجتياح عام 1978، وإقامة المنطقة الأمنية ودويلة “سعد حداد”، ثم اجتياح عام 1982، وصولًا إلى عام 2000، أي قبل ولادة المقاومة اللبنانية والفلسطينية.
إن إصرار التحالف الأميركي-الإسرائيلي، ومعه عملاؤه في لبنان والعالم العربي، على نزع السلاح المقاوم من جنوب الليطاني، يهدف إلى تسهيل الأعمال العسكرية وتقليل خسائر العدو في الاجتياح القادم، بعد الخسائر التي مُني بها في حرب الـ66، التي استطاع فيها المقاتلون الشجعان الاستشهاديون منع وصوله إلى الليطاني، رغم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالمقاومة.
يمارس التحالف الأميركي-الإسرائيلي التضليل والخداع للرأي العام، عبر المطالبة بجعل منطقة جنوب الليطاني منزوعة السلاح، لتأمين الأمن للمستوطنات الشمالية. وربما كان لهذا المطلب بعض الوجاهة في العقود الماضية، حين كانت المقاومة الفلسطينية واللبنانية تمتلكان صواريخ “الكاتيوشا” التي لا يتجاوز مداها 25 كلم. أما اليوم، فإن المقاومة تمتلك صواريخ بعيدة المدى تتجاوز 100 كلم، ومسيّرات مفخّخة يمكن أن تنطلق من بعد 200 كلم. وبالتالي، فإن تهديد الأمن الإسرائيلي لم يعد محصورًا بمنطقة جنوبي الليطاني (مع أن المقاومة تمارس الدفاع عن النفس فقط).
وإذا كان مطلب العدو في القرار 1701 و”اتفاق تشرين” أن تكون منطقة جنوب الليطاني منزوعة السلاح، فلماذا يعمل على أن تكون خالية من السكان؟ فيدمّر الغرف الجاهزة، ويقتل المزارعين، ويمنع إعادة إعمار البيوت، ويعلن وزير دفاعه أن الحياة والإعمار لن يعودا قبل خمس سنوات في جنوب لبنان، سواء بسلاح أو بدونه!
يطالب العدو بنزع سلاح المقاومة الذي يمنع العدوان، بينما تتحالف الدولة اللبنانية، طوعًا أو إكراهًا، مع الأحزاب اليمينية المسيحية، وأميركا، وبعض الدول العربية، لنزع هذا السلاح. في الوقت نفسه، يتركون سلاح العدوان الإسرائيلي الذي يجتاح لبنان ويعتدي عليه منذ أكثر من 70 عامًا، دون أن يقوم السلاح المقاوم باجتياح “إسرائيل” أو قصفها إلا دفاعًا عن النفس.
إن التهديد الدائم بالحرب القادمة يؤكد أنها قائمة لا محالة، وإن ما يقوم به التحالف الأميركي-الإسرائيلي من ضغوط لنزع السلاح، هو لتسهيل الاجتياح البري القادم، ليبدأ من نهر الليطاني بدلًا من الحدود، وذلك بالتوازي مع نظام سياسي وأمني وإداري في لبنان، يعمل ضد المقاومة ويحاصرها في كل تفاصيلها، بقيادة “الحاكم الإداري الأميركي” الذي يحكم لبنان الآن، ويتعامل مع المسؤولين اللبنانيين كمجرد مسؤولين تنفيذيين، على اختلاف ألقابهم ومواقعهم.
نعيش الآن مرحلة سياسية وعسكرية استثنائية، تُشبه مرحلة 1982 (ولكن بشكل “مُلطّف”)، حيث إن “إسرائيل” تحكمنا بواسطة أميركا، وتقرّر ما يجب أن نفعله… و”إسرائيل” تقتلنا، وتريد نزع سلاحنا بالقصف أو بالقرارات الدولية واللبنانية!
لا شك أن الأوضاع التي نعيشها صعبة وخطيرة، تكاد تُقفل كل نوافذ الأمل والنجاة، لكن تجاربنا مع “إسرائيل” وأميركا في لبنان تبعث فينا الأمل، وتمنعنا من الاستسلام والانهيار. وتذكّرنا أننا قادرون على هدم جدران الحصار، واستعادة زمام المبادرة، بإذن الله، وبالمقاومة العاقلة، الشجاعة، الصابرة، وبأهلها الشجعان.
ولنفترض أن “إسرائيل” اجتاحت الجنوب حتى صيدا، كما هو مشروعها الأول منذ مؤتمر فرساي عام 1919، ولنفترض أنها احتلّت الجنوب… فهل تستطيع بناء مستوطناتها كما تزعم في صور، والنبطية، ومرجعيون؟
ولنفترض أنها استطاعت بناء المستوطنات، فهل يمكن أن يعيش المستوطنون فيها بأمن واستقرار؟
إن ضربات المقاومة قبل عام 2000 لا تزال محفورة في ذاكرة الإسرائيليين، وستكون الضربات القادمة أضعاف ما كانت عليه سابقًا. ولن تحتاج إلى صواريخ دقيقة أو بعيدة المدى أو أنفاق، بل إلى بندقية وعبوة ومقاومين شجعان، وهذا متوفّر منذ الآن.
إن سقف الحوار الذي نقبل به حول نزع السلاح هو ما يلي:
التوافق على أن وظيفة السلاح هي حماية لبنان، وألا يتدخل خارج الحدود، كما اضطُر أن يفعل في سوريا وحرب الإسناد.
مطالبة “إسرائيل” بإبلاغ الأمم المتحدة رسميًا بتراجعها عن خرائط مؤتمر الصلح لعام 1919، والتخلي عن عقيدتها بأن حدودها نهر الأولي صعودًا إلى جبل الشيخ.
تنظيم إدارة السلاح ومنظومة المقاومة مع الجيش اللبناني ضمن استراتيجية دفاعية تضمن أمن اللبنانيين وتلغي هواجسهم وخوفهم من المقاومة.
انسحاب “إسرائيل” من الأراضي اللبنانية.
أشهر قليلة، وسيتراجع المشروع الأميركي-الإسرائيلي. وعلينا أن نصبر ونصمد، وألا نتنازل أو ننفعل أو نتهور بأي عمل يبرّر الاجتياح القادم الذي يستعد له العدو. وقد استطاعت المقاومة بصبرها وحكمتها إفشال مخططات العدو لعودة الحرب، حتى اضطر إلى إطلاق الصواريخ على نفسه!
صحيح أننا لسنا في أحسن أحوالنا، ومع أن العدو في ذروة قوته… لكننا، رغم الجراح والحصار، قادرون على النجاة بإذن الله.
وما النصر إلا صبر ساعة، والتي قد تكون أشهرًا، وبعدها سنفرض استعادة قواعد الاشتباك التي تحفظ أهلنا.
لسنا وحدنا في الميدان، معنا إخوة السلاح: أنصار الله في اليمن، والحشد المبارك في العراق، وإيران في السياسة والدعم المالي والتسليح.