جنوبيات الحدود: على الـ.ـعـ.ـهد وخيارنا التمسك بالأرض.. وسنقاوم

*جنوبيات الحدود: على الـ.ـعـ.ـهد وخيارنا التمسك بالأرض.. وسنقاوم*
زينب حيدر
دخلت قوافل المنتصرين إلى القرى الحدودية، في جنوب لبنان صباح الـ 18 من شباط، على الرغم من كل التهديدات والانتهاكات التي ارتكبها الـ.ـعـ.ـدو، من خرق وقف إطلاق النار إلى الاعتـ.ـداء على الأهالي الوافدين إلى أرض الكرامة التي ذاق الصهـــيونـ.ـي فيها مرارة مواجهة أولي البأس الذين أشربوا الأرض دماءهم وعلَّموا العالم معنى الصمود الحقيقي والكثير الكثير من دروس الإباء.
دخل الناس قراهم والعزّ نثار صيحاتهم وعنوانٌ كتب على جبينهم ولسان حالهم: “يفنى الـ.ـعـ.ـدو ونبقى”. أمٌّ تحاكي أغراض شـ.ــهـ.ـيدها بافتخار، وأبٌ جلس على ركام منزله يخاطبه أن القواعد سترفع بفضل الدماء، وأبناءٌ توجهوا بقلوبهم إلى حيث اسـ.ـ.ـتشهد والدهم يسطّرون وعدهم بإكمال المسير.
بحمـ.ـاسٍ تتحدث ابنة بلدة حولا الجنوبية الشابة فاطمة بوزكلي عن لحظات الدخول الأولى إلى البلدة: “كل الناس متحمسون، يريدون الوصول، يريدون أن يصلوا إلى “قلب الضيعة”” ثم تردف “كان شعورنا أننا هنا نحن ننتمي.. تشعرين ألّا أحد يود الخروج، تشعرين ألّا أحد مهتمٌّ بدمار منزله..”. وكذلك تعبر الحاجة ديانا هزيمة ابنة بلدة ميس الجبل: “كان الدخول إلى القرية بمثابة الحياة بعد الموت؛ وكأن الروح التي غادرت الجسد قد عادت إليه ثانية، هي عودة ممزوجة بالحزن والفخر. والشعور الغالب هو إرادة التحدي والصمود”. وتضيف الحاجة فاطمة مبارك ابنة بلدة مركبا: “عندما دخلنا إلى البلدة صار ينبض القلب”، وتكرر العبارة الأخيرة مستعيدة الإحساس نفسه وتكمل: “.. رحم الله الشـ.ـهداء؛ لأننا بفضل تضحياتهم عدنا والحمد لله”.
يحضر الشـ.ـهداء في كلِّ نصـ.ــر، ويذكرهم أهالي الجنوب، ويتطلعون إلى أيِّ أثرٍ من بركاتهم، فهم الذين ذابوا في الأرض حبًّا وأجسادًا، عانقوا التراب أمانة سيدهم وغفوا مطمئنين. بات هؤلاء الشـ.ـهداء مفقودي الأثر أو من بقي؛ فأشلاء وكتاب قرآن أو قليلٌ من الأغراض فكانوا الأثر كله في النفوس. فتقول الحاجة هزيمة عن أكثر ما أثَّر فيها في البلدة: “غياب الشبان الذين كنا نحبهم، وكانوا دومًا في استقبالنا، تطالعنا وجوههم وابتساماتهم في كل الأحياء”. وتزيد الحاجة مبارك: “صور الشـ.ـهداء.. مشاهد رفات الشـ.ـهداء التي كانت ما تزال موجودة في البلدة..” شاركتها بوزكلي الدموع “عندما تَمُرّين فتريْن جُعبة شـ.ــهـ.ـيد، تريْن بَزًّة شـ.ــهـ.ـيد.. فتقولين يا الله! لقد كان شخص ما هنا، كان يوجد إنسان وقف ودافع عنكِ..”
الموقف بين أبناء الجنوب من المقــاومة موحدٌ حتى بعد أن رأوْا بأم العين آثار الاشتباكات والدمار، والذي راهن الكثيرون على أنه سيحيل الناس للانكفاء عن خيار المقــاومة. وتَمثًّل الموقف بما أدلت به الحاجة فاطمة مبارك: “نحن نشد على يد المقــاومة ونقول “الله يقويهن أكتر وأكتر”. وتؤكد على ذلك الكلمات الثابتة للحاجة ديانا هزيمة: “ازددنا تمسكًا وصلابةً ويقينًا بأحقية هذه المقــاومة، وتعلَّقنا بها أكثر وصرنا لا نرى الحياة الا من بندقية مجـ..ــاهد وبَزًّة شـ.ــهـ.ـيد”. وتكمل فاطمة بوزكلي المشهد بخلاصةٍ ملؤها العزم:”عَرَفنا ما قيمة المقــاومة وعَرَفنا فعلًا ما هي المقــاومة، يعني حتى لدرجة أننا نحن النساء لو يمكننا أن نقاوم لدخلنا مع المقــاومة وقاومنا بعد الذي شاهدناه”.
تروي بوزكلي عن طبيعة العلاقة التي تربطها بالأرض، بلسان الجمع الذي توحد على قلبٍ واحد: ” قد نكون نحن أبناء الشريط الحدودي؛ لأننا رُبّينا أننا دائمًا متمسكون بأرضنا، نُحب الأرض نعشق الأرض.. علاقتنا بالأرض هي علاقة النبتة بالتربة؛ فعندما تقـ.ـتلعين النبتة من التربة التي كانت فيها لا يمكنها أن تتأقلم وتعيش براحة.. لم يكن يهمنا البيت، لم يكن يهمنا أي شيء، كنا نعلم جميعنا أن بيوتنا دُمرت كلنا كنا نعلم، لكن جُلُّ همنا هو أرضنا..” وتتحدث عن تخطيط الناس للاجتماع بأحد المنازل التي بقيت كي لا يتركوا البلدة، ثم تقول ببالغ الفرح “وأخيرًا نحن بأرضنا.. نحن لهون مننتمي!”.
“علاقة مقدسة توثقها دماء الشـ.ـهداء وعرق المجـ..ــاهدين، علاقة وثيقة عنوانها لن نترك شبرًا من أرضنا للمحتـ ـل ولو قـ.ـتلنا جميعًا”؛ بهذا أجابت الحاجة هزيمة قائلةً للعدو الصهـــيونـ.ـي الجملة الخالدة: “كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك؛ فولله لن تمحو ذكرنا! مهما قـ.ـتلت فينا ودمرت لن تكسر إرادتنا ولن تستطيع الانتصار.. سنبقى شوكة في عينك حتى قيام الساعة”. وبالتوجه ذاته وصفت الحاجة مبارك علاقتها بالأرض كعلاقة الطفل الرضيع بأمه: “نحن متمسكون كثيرًا بهذه الأرض، نحنُّ كثيرًا لهذه الأرض، لتراب هذه الأرض، لشجر هذه الأرض.. شيءٌ لا يوصف” ثم تسترجع ذكريات الاحتـ ـلال ما قبل العام 2000، وحرمانهم من خيرات أرضهم، وتحكُّم الاحتـ ـلال آنذاك بكل شيء.
من هذا المبدأ انطلقت رسائل نساء الجنوب إلى عدوهن؛ فقالت مبارك إن رسالتهن حتمًا وصلت إلى الـ.ـعـ.ـدو عندما عدن إلى الجنوب: ” إنو نحن إن شاء الله ح نضل صامدين بهيدي الأرض، كل حروبك وكل تعطشك لسفك الدماء ما ح تغير من موقفنا ولا ح تغير من ثباتنا ويقينا..” أما بوزكلي فحملت بين طيات رسالتها نفَس الشباب المقــاوم، نفًس الجيل الشاب الذي سيحارب الـ.ـعـ.ـدو الصهـــيونـ.ـي في المعارك الآتية: “إنت هلأ خليت هيدا الجيل يلي طالع جيل مقــاوم من الصميم، نحن عشنا شو يعني احتـ ـلال، عشنا شو يعني تكون أرضنا حدنا وما نفوت وعشنا شو يعني يسقط دم لنفوت ع أرضنا، إنت ولَّدت فينا روح المقــاومة من جديد.. وما نقبل إنك تكون موجود بيناتنا”.. ومن راهن على ضعف المقــاومة قالت الشابة بوزكلي: ” المقــاومة مَنّا كم فرد، المقــاومة هي خط، المقــاومة هي الشعب، المقــاومة وِلدت من الشعب، نحن شعب عندو كرامة، نحن شعب ما بيقبل الذل… نحن متمسكين بخيار المقــاومة أكتر من أي وقت مضى، نحن يلي بدنا نقاوم الأطـ.ـفال والنساء قبل شبابنا.. نحن ما تعودنا عالذل، يلي هو معود عالذل خلي ذليل، نحن ناس أبدًا ما ربينا عالذل، ربينا على حب الأرض، وح نضل نحب أرضنا وح نضل نحارب هيدا الـ.ـعـ.ـدو بكل شي عنا”.
لسماحة سيد الأمة والقائد الذائد عن حرمتها السـ.ـيـ.ـد الشـ.ــهـ.ـيد حسن نصـ.ـرالله، وجهت الحاجة ديانا هزيمة كلمتها: ” يا حبيبنا أنت فينا كلَّنا، قـ.ـتلوك ولم تمت، بقيت فينا حيًّا فكرًا ونهجًا ونصـ.ــرًا غيَّبوك فصرت أكثر حضورًا..”. وقالت الحاجة فاطمة مبارك والغصة تغلب صوتها: ” هو حبيبنا وهو روح قلبنا وهو عشقنا.. وحقيقةً الحياة من دون السـ.ـيـ.ـد صعبة جدًّا، لكن هذه مسيرة ويجب أن تستمر، ونحن سنبقى نقول له “إنا على الـ.ـعـ.ـهد” وإن شاء الله.. لن نتنحى عن هذه المسيرة قيد أنملة”. وتوجهت الشابة فاطمة بوزكلي للسيد والدموع حرّى فخلال الطريق إلى حولا حضر السـ.ـيـ.ـد في وجدانها فتمنت وجوده ومشاهدته دخولهم إلى بلدات الحافة الأمامية: “نحن عنجد منحبو كتير” وتردف: “.. نحن دائمًا متمسكون بكل وصية، بكل كلمة قالها، نحن على خطاه، كما ربّانا.. وروحه حاضرة بيننا نقول له نشكرك يا سيد على كل شيء ضحيت به وقدمته لأجلنا من أصغر التفاصيل إلى أكبرها، شكرًا أنك ضحيت بحياتك ولم تعِش كما يجب لأجلنا.. نقول له إنا على الـ.ـعـ.ـهد ولن نتخلى عن المقــاومة ونحن حقًا كما ربيتنا يا سيد”.
إلى شيخ المقــاومة والمؤتمن؛ قالت فاطمة بوزكلي: “نحن معك، لن نتخلى عن خيار المقــاومة، لو بقينا فردًا وفرديْن سنقاوم بكل ما لدينا.. ألهمه الله الصبر والقوة.. صحيحٌ أن محبتنا للسيد كانت كبيرة جدًّا لكن محبتنا له أيضًا كبيرة.. ونشكره أنه حافظ على هذا الخط في أصعب وقت”. أما الحاجة ديانا هزيمة فأكدت: ” إنا على الـ.ـعـ.ـهد، ولن نترك المقــاومة ومعك أوفياء مطيعين ناصرين ولن نخذلك بإذن الله”. ومعهما رددت الحاجة فاطمة مبارك بالدعاء للشيخ قاسم: “قيا دة هذا الحـ.ـزب تحتاج هذه الرجال.. بفضل تضحياتكم أنتم وسهركم وتعبكم- إن شاء الله- سيعود كل شيء أقوى وأكبر مما كان”.
هذه كانت كلماتهن، أصالتهن، مقــاومتهن، المقــاومة التي لم ولن تنتهي، فمنهن من ستعلق جدارية كبيرة لسماحة السـ.ـيـ.ـد بوجه الموقع الاسرائيلي المواجه لمنزلها ليبقى الرعب حاضرًا، ومنهن من ترى أن أولى الخطوات هي تكريم الشـ.ـهداء والاحتفال بهم وبالانتصار ثم إعادة إحياء الحياة في الجنوب وقضاء الأوقات والإفادة من خيرات أرض الجنوب، وأخرى ترى في كأس الشاي ما يغيظ عدوها فتعزم على شربه في بيتها الجنوبي الذي ستبقى فيه وتستقر فيها وتدافع عنه مهما حصل.. هذا هو وفاء أهل الجنوب بلسان الجنوبيات.. بصوت العز.. بعنوان الكرامة سيبقى الجنوب على الـ.ـعـ.ـهد.